المسيحية والجنس

هل الجنس نجاسة؟

 عندما سقط الإنسان الأول في الخطية، بأكله من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها، أصبح تحت سلطة إبليس، ليس هو فحسب، بل يقول الكتاب المقدس "إذ أخضعت الخليقة للبُطل" أي أن الخليقة كلها أصبحت تحت سلطان إبليس لذلك تأثرت سلباً بفعل الخطية حتى صارت ملعونة عندما قال الله لآدم "مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ." 

فكل شيء صار قبيحاً بسبب الخطية التي دمرت كل شيء حتى علاقة الإنسان بالله خالقه، بل وقد امتد الأمر أن تدمر علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وكما لوّثت الخطية الطبيعة، هكذا لوثت أيضاً مفهوم الجنس المقدس عند الإنسان والذي قصده الله لبني البشر. ولأن الجنس هو منطقة حرب الشيطان للإنسان، نجده كثيراً ما يستخدم هذه الغريزة ضد الإنسان حتى يبعده عن هدف الله من وجود هذه الغريزة المقدسة. فيجب أن نعرف أن مفهوم الجنس بالنسبة للإنسان مختلف كليةً عن مفهومه بالنسبة لباقي الخلائق. فكما يعرف الجميع أن أولى أهداف الجنس هو بقاء النوع، أو بمفهوم آخر هو الحفاظ على عملية التكاثر وإعمار الأرض بالمخلوقات،


أما بالنسبة للإنسان لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إنما يوجد هدف عميق من وراء العملية الجنسية، هناك ما هو أبعد وأعمق من تسخير الجنس كأداة لربط الجماعات البشرية ببعضها البعض فالجنس إذا أخذناه في فكرته الأساسية، هو لا يهدف فقط إلى إزالة توتر عضوي وحسب، حيث أن مجرد إثارة الفرد لأعضائه التناسلية تكفي للحصول على انفراج للرغبة الكامنة فيه، ولكنه يترك في الإنسان شعوراً بعدم الارتياح، ذلك أن الجنس عند الإنسان يبغي ما هو أبعد من زوال التوتر العضوي، إنه يبغي الاتصال بالآخر، هو اتحاد الرجل بالمرأة ليكونا جسداً واحداً، كما حددها الكتاب المقدس بقوله "ويلتصق بامرأته" أي الرجل بالمرأة. فالنزعة الجنسية تدفع الرجل والمرأة أحدهما نحو الآخر بغية أن ينصهرا، من خلال تداخل الأجساد في لقاء يتصف بالحميمة الخاصة، فهذا الاحتياج هو ما يصبو إليه الإنسان وهو من يملأ فراغه الذي وجده الله عندما قال في سفر التكوين "ليس جيداً أن يكون آدم وحده". 

نظراً لوجود هذه الغريزة بداخل كل إنسان ( أي الجنس )، شأنها في ذلك شأن باقي الغرائز مثل المأكل والمشرب وغيرها من الغرائز، يجد الإنسان نفسه عنده ميل أن يشبع هذه الغريزة، ولأن أمر الله للإنسان أن تكون عملية ممارسة الجنس لا تتم إلا في إطار الزواج، أصبح على الإنسان أن يرفض أي إحساس تمليه عليه هذه الغريزة، وألا يلبي احتياج هذه الرغبة، فتكون عند الإنسان شعور أنها رغبة غير مقدسة وأنها تدنس الإنسان ولا سيما الذي يسعى أن يرضي الله في حياته وأفكاره، لذلك عمل الشيطان جاهداً أن يجعل الإنسان يفقد قدسية هذه الغريزة، بل ويجعله ينظر إليها على أنها عملية حسية تقود الإنسان إلى مستوى متدني وتهوي به إلى أسفل السافلين. وبهذا نجح الشيطان أن يدمر مفهوم الله من الجنس للإنسان، الامر الذي قاد البعض أن يروا في الجنس خطيئة ولا يمكن للشخص العابد لله أن يرتكب هذه الحماقة حتى ولو في إطارها المقدس وهو الزواج. بل وقد امتد الأمر ليدمر قدسية الجنس في عصور غابرة، حيث أن بعض الديانات القديمة كانت ترى أن عملية الجنس مرتبطة بعملية الخلق، ولأن الخلق صفة إلهية، إذن فممارسة الجنس يجب أن تكون ضمن الطقوس في العبادة وهذا من شأنها تعظيم الأعضاء التناسلية عند الرجل والمرأة، وأصبح الجنس جزء لا يتجزأ من شريعة هذه الديانات. ومن هنا نجد أن إبليس من البدء وهو يريد أن يدمر ويشوّه هذه العملية المقدسة .

الحقوق محفوظة لموقع مسيحيات - ٢٠١٨